26‏/10‏/2008

نقاش حول الاستقالة


كنت أجلس أمام هذه السيدة التي و بالتأكيد ما تزال عذراء. أوعلى أكبر تقدير، تحمل خبراتها الجنسية ذكرى وحيدة للمسة من يد الرجل الذي تحب و الذي لم يمارس "الرغبة" إلا مع ذاته في لحظة خلوة لتفريغ "الذروة" التواقة للخروج من "حاملي السائل الهائج".

لم اكن أرغب إلا في متابعة عينيها القويتين، و اختلاس النظر لأطراف رجليها الجميلتين،و التفكير فيما لا يخص حديثاً بيننا بالتأكيد.

فقد انبرت و هي تحاول إقناعي بأن أعدل عن اختياري بتقديم الاستقالة: انبرت محللة معلوماتي تحليلاً رياضياً، تحليل معقّد جداً يصعب على الفأر فهمه. فهمت جزءً منه و اكتفيت بأن أتماثل مع الفأر و لم أحاول بذل أي جهد في أن أتابع تحليلها المتكامل. كان كلامها من الروعة – بالنسبة لها طبعاً – بأن أحسّت ببريق ينطلق من عينيها و رغبة منها في التمادي، مع ابتسامة ساذجة تحاول التذاكي و سعادة بلهاء بما تعبر به عما في ذهنها.

وبما أنها من جملة الأشخاص الذين يشغلون بالهم بأن يسبقونك إلى النتائج بجُمل ذكية برّاقة،كانت تنطق الكلمة التي ظنت أنني كدت أنطقها.

أندهش دائماً حين أكتشف فعلتهم تلك، فأنا أعلم جيداً أن الكلمة أو المعلومة التي اختاروا استكمال حديثي بها محاولين إثبات ذكاءً شديداً أو متابعة حقيقية لموضوع يشغلني أو لمعلومة مما أسرد، هي بالفعل كلمات تحتل مكاناً بعيداً تماماً عن هذا الذي يتوجه إليه ذهني.

هذا الكوكب الذي يظنون أنني عالق به كما هم عالقون ، هو الآن بالنسبة لي يمثّل منظراً مصغّراً شديد الضآلة.

أصبح صورة معلقة كذكرى على حائط سفينتي الفضائية الضيقة و التي تحملني وحدي و لا غيري ، مع نافذة تتسع كلما تبتعد و تغيّر لونها كلما أستمتع بالنظر المتأمل من خلالها. نافذة كتلك تحمل الكثير من الذكريات و تنطلق بسرعة سفينتي و لا تتوقف أبداً إلا بقرار مني.

الآن و أنا أنظر من نافذة مركبتي كربّان عارف، و ظهري يواجه المصوّر الآلي الذي يسجل كافة اللحظات و الومضات و الأفكار المشهودة، يظهر أمامي الكوكب الضئيل.

أتخيل هذا الفك الذي ينفتح و ينغلق مخرجاً أصواتاً أفسرها جيداً و لا أرغب في اقتناءها.

لغة اللسان العذري، تسجنك الكوكب الذي لا يستقل بحركته عن مداره الدائر حول نور لا يتغيّر إلا حين تحلّ محله نار بيضاء ثلجية مستديرة.

أتخيل أن الفك الذي يشغلني الآن ، قد كفّ عن التعبير، أو بالأحرى انفجر مطلقاً كماً هائلاً من الديدان الملونة ، ومن عقارب من حوامل السموم ،أطلق أمراضاً و رسومات تصويرية خبيثة، و كل ما هو رديء من الفن و من الكلمات، أخرج كافة العلوم حديثها و عتيقها، انفجر بالانفجار السكاني و بالثورة الصناعية، صرخ بالحركات الانقلابية و بالعسكريات الاستعمارية، و باختراع السلاح الناري و التكنولوجيا الرقمية،و جميع أفكار التاريخ المدوّن.

تمنيت لو يصمت هذا الفك ، أو ينفجر بالغاز الملوث.

صاحت:" النجدة ، أفكاري.. رأسي... ابقوا و لا تتركوني .. ابقوا ديداناً تحييني..."

أضحك كثيراً في قبري المرتحل، أعشق السفرتماماً كما أكره الغباء.

أتلقى خطابات من عالم الأحياء، أمسك بقلم أحمر أصحح ما بها من أخطاء أو من صور شعرية تشوبها رغبة في التنمق لا سعياً وراء الفضاء.

أنظر لخلفي حيث المصور الآلي الذي يسجل كافة نظراتي لخارج المركبة المرتحلة، تخونني ذاكرتي قليلاً في حفظ معالم النظارة التي ارتدتها العينان القويتان ،و البشرة الصحيحة التي تغطي عقلاً واهناً من العطن الرخو. أخشى أنني لا أتذكر رائحة جسدها، كما لا أذكر لون طلاء أظافرها و كيف كان شعرها أو مدى بياض أسنانها و اصطفافها.

الغرفة التي جمعتنا تجمعها ذاكرتي من ضبابات تائهة.

أغمض عينيّ و أغلق المصوّر الإلكتروني. أحلم بالعذراء الرياضية التي لا يفهمها الفئران، تتقلب على جانبيها بلا خجل ، مسامها متفتحة و لا ترتدي إلا جلدها.لن أخرق عالمها العذري و لن أرحب بها زميلة مالكة لسفينتي المرتحلة، فهي لن تترك أبداً كوكب المرتزقة.

مازلت أتضاحك و الغبارينطلق من فمها المتحرك. تتزايد الصرخات مع تزايد ضحكاتي المحايدة.

تهدأ السيدة، عذراء كما كانت، و لكن وصلها من ضحكاتي المتحركة بلاغاً بأخطاء جسام في عملياتها الحسابية التي حاولت أن تسجّلها في ذاكرة التاريخ الجامع لنا.

أقرّت بأنني مستقيل.

استقبلت أوراقي الحبيبات التي سجنتها خزانة ملآنة بأوراق آخرين غيري من المنفيين أيضاً.

أتعامل مع أوراقي في سعادة، أحملها و أقرأها جميعها بلا ملل، أحمل تقديراتي التي قدرها لي الجمع و أفخر بها.

مازلت أفخر... مازلت إنساناً.

أفتح عيناي، أشغل المصور الآلي، أوراقي معلقة على جدران سفينتي المرتحلة.

أنظر لكوكب المرتزقة الهارب، أضع يديّ في جيبيّ، و حفنة من الأفكار باقية.

أفتح الشباك ، لأرميها في فضاء. لا أرميها جميعها.أغلق النافذة التي لها نفس سرعة سفينتي.

أعلم أن السيدة كانت لها خبرات أعمق فيما بعد مع خطيبها العاشق و حبيبها الأعذر.

ظلا في العذرية، و ظللت في سفينتي أتضاحك محايداً، متخيلاً أطرافها الجميلة، و عينيها القويتين الجذابتين.

لاأفكر في حديث يجمعنا، و لا أستطيع أن أتذكر المسافة التي تفرقنا و لا رائحة المكان أو شكل الرواق المؤدّي إليه.

سلام يسري

إبريل 2006

ليست هناك تعليقات: