26‏/10‏/2008

دبي




في المطار الآن، لا أدري تماماً ماذا ينتظرني... لا تباغتني أفكار مظلمة ، فلا مانع لدّي للمخاطرة أو التجديد...

دخلت للانتظار في القاعة الزجاجية مع الآلاف ،و الذين شاركوني طابوراً طويلاً حتى التفتيش.

الآن في الطائرة ، مضى ساعتان من الرحلة، و ها أنا أنتظر الهبوط بلا صبر، فقد مللت التحليق بلا هدف فوق سحابات لا أراها جيداً من موقعي. ترتج الطائرة أحياناً . على يميني سيدة تمارس الدعاء لعله ينجيها، تضطرب و تغمض عينيها بعصبية، تمسك بشدة في المقعد الذي أمامها.

"حمدالله ع السلامة.." مع ابتسامة صفراء،قالتا المضيفتان المصريتان.

وصلت إلى أرض المدينة الجديدة، مدينة كل الأجناس، و ها أنا ا بدأ في استكشاف أولى انطباعاتي.

هؤلاء العبيد المتراصين بحثاً عن لقمة العيش ، تنفتح أمامهم آفاق.

من يملك الحق في استعباد آخر؟! لا أحد، و لكن هؤلاء – كما اكتشفت – ليسوا عبيداً.

هي القوى العاملة الحقيقية التي تبني هذه المدينة الناشئة، معقلاً للرأس مالية ، نموذجاً لأقصى أشكال الإدمان على الاستهلاك.

كرهت التفرقة بداية، فهنالك من المهن ما هو محتجز لجنسيات محددة، و بالأخص الهنود، و بعض بلاد شرق آسيا ، و القليل من العرب.... الفقراء...

الفقراء عبيداً للقمة عيشهم، و الجنسيات الأرقى (ممن حصلوا على فرص أوفر من التعليم و العمل في بلادهم) لهم المواقع القيادية و الرواتب الأعلى و الحياة الأكثر رخاءا.

الفقراء فقراء في كل مكان.. حتى و لو كان التأمين الصحي يضمهم تماماً كما يضم الأغنياء، حتى و لو كان النظام يحترمهم كما يحترم الأغنياء.

تنفجر المدينة بالروح... روح قاطني المدينة ، أعظم من روح البنايات القديمة الحاملة لعراقة الماضي كمظهر ثقافي عفا عليه الزمن ، نراه وسط سطوة القمامة في مدينة كالقاهرة.

فقد تجمعت هنا الحضارة و الثقافة بجميع أشكالها و بعمق أصحابها من جميع البلدان، في مكان واحد. كل إلى جانب الآخر، يتعايش.

يدهشني أن أرى أصدقائي المصريين يحترمون هنا النظام، و يخضعون بالحب لتنفيذ القانون.

"ربما يجب نقل مصر إلى بقعة جديدة بنظام جديد، ليظهر ما بالشعب من انضباط،" فأنا أكره تماماً هذه الفكرة التي يتداولها المصريون بخصوص ذواتهم،عن أن هذا الشعب لا ينضبط إلا بالقهر...

سائق التاكسي و صاحب العمل و صديقي رفيق القهوة ،حين تشاركوا في إطلاق هذا الحكم ، كل على حدة، كانوا مغرقين في الخطأ.

لا أستطيع ألا أقارن... فكيف أنسى حالي بالقاهرة! و هنا كل فكرة ، تحملني إلى الوطن... إلى أفكار عن العالم و عن البشر جميعهم.

يتجسد كل مكان روح الشخص الذي يخدم فيه، بخلفيته الثقافية و لكنته الخاصة للغة المتسيدة و هي الإنجليزية.

يرتدي أبناء البلد اللباس الوطني، عقال و جلباب، فخورين بوطنيتهم ، حالمين بالتطور و الريادة، كما يصف خطته قائدهم الذكي، "نحو الريادة" و لشد ما تسعد حين تقرأ و تسمع قائداً سياسياً يتكلم عن الإبداع.

تضج المدينة بألوان و ألوان من الملابس و الموضات و البشرات ، فلا تمل متابعة المارة أو السقاة في البارات أو المقاهي، فاخرة كانت أو متوسطة.

أتفكر: " كم من قصة حب يحملها هذا المكان؟!"

بين ساقي و ساقية، بين خادم و خادمة...

كلٌ في حالة انتظار العودة للوطن، حتى و لو دامت الحالة لسنوات، و إنما حالة الترانزيت تلك تفجر في الإنسان أقصى درجات اللا التزام، و التعامل مع كل شىء على أنه مشروط بزمن قصير ، فلا مجال للعلاقات الإنسانية الحقيقية أو المستمرة. المصلحة تبدأ الصلة، سواء غلفتها صيغة ما للعمل ، أو لعلاقة استغلال جسدي.

يبني الأفراد صداقات من المتوفر لديهم من علاقات ، و تجد توليفة عجيبة لا يمكن ان تتجمع في ظروف أخرى تعيش معاً في غاية التوائم.

"الخيال"

تصنع هذه الجملة الحياة. يتصور الشخص فيرغب بشدة في الشيء و يقوده الحماس و الثقة بالنفس لتحقيق خياله.

قائد محبوب، صاحب خيال ،يقرر أن يغير الوجهة، و يتبعه خلق كثيرون.

هي دائرة كالدوائر، و ساقية كالساقية التي تعيشها الأمم، و لكن لا مانع من إبداء الإعجاب بتجربة و محاولة للتحقق.

أنا بطبيعتي لا أرغب في الانخراط في الدوائر، أبتعد بوعي يرهقني عن جذور السواقي التي تشدني إلى حياة لا أرضاها لعقلي الطامح للخلق.

جزيرة مشمسة يغمرها طمي الحياة، أعبئها بالطاقة يومياً لكي لا ينضب بها الزرع.

أجول بقارب صغير كسول و لكن قوي، أتعلم من المتابعة، و أكتب مسجلاُ، أكتسب المعارف بتسجيل الأفكار.

أستذكر الحقائق التي أصل إليها لكي لا تغيب عن ذاكرتي الأفكار الأصيلة.

أفر كالجبان إلى شمس جزيرتي، مع بعض الأفكار و الأمتعة، يصاحبني البعض و يتركني الأغلبية.

أتفكر:

ترى أأنتقل للعيش في هذه المدينة، كالكثيرين. و لكنني لي أهدافي الخاصة بالتأكيد. فأنا لا أرغب في أن تتشابه أهدافي مع الآخرين،

إذن لأصيغ فكرتي هكذا: أانتقل لرغبتي في الانتقال، في تجديد مراجعي.

أيسد جوعي الترحال أم يزيدني رغبة جوعى!؟


سلام يسري

4-2008


ليست هناك تعليقات: